اعلان 728 × 90

اخر الأخبار

أسباب حوادث الطائرات - دورة السلامة الشخصية والمسئوليات الاجتماعية ( الدورات الحتمية للنقل التجاري )


سقوط الطائرة الإثيوبية بوينج 737 ووفاة كل ركابها وطاقمها بعد ثلاثة أشهر من سقوط طائرة إندونيسية من الطراز نفسه، وقبل ذلك اختفاء طائرة ماليزية في المحيط لم يعثر لها على أثر، كل هذه الحوادث تعيد تسليط الضوء على حوادث الطائرات ومخاطرها؛ لأن الأمر يتعلق بسلامة ملايين الناس الذين يستخدمون الطائرات كل يوم.


– ما أهم العوامل والأسباب التي تؤدي إلى حوادث الطائرات؟
– ما تأثير هذه الحوادث على صناعة الطيران؟
– هل زادت تعقيدات التقنية المتطورة المستخدمة في الطائرات الحديثة من مخاطر الحوادث؟

عدد من الخبراء والمهتمين بصناعة النقل الجوي أجابوا عن هذه التساؤلات، حيث تناول د.عبدالله محمد الشعلان أهم العوامل والأسباب التي تؤدي إلى حوادث الطيران، قائلاً: تعد الطائرة إحدى أهم وسائل المواصلات السريعة في العصر الحديث التي لم يتخيل عقل الإنسان قبل ابتكارها وصناعتها بوجود مركبة بحجم كبير مصنوعة من الحديد تحلق في الفضاء كما تحلق الطيور، ولم تقتصر أهمية الطائرات على نقل البشر من مكان لآخر، بل أضحت تلعب دوراً كبيراً في عملية التجارة العالمية، من خلال نقل عديد من السلع والبضائع في عمليات الاستيراد والتصدير بين مختلف دول العالم. لقد ازداد الاهتمام برحلات الطيران نظراً لكثافة استخدامها كوسيلة هي الأسرع في الوصول إلى الوجهات المختلفة والبعيدة والنائية في وقت قياسي قصير. ولهذا فقد جعلت رحلات الطيران هذه أكثر سهولة ومتعة ورفاهية وتشويقاً، لذا بنيت أفخر أنواع المطارات المزودة بكل عناصر الجذب والترويح والترفيه والتشويق والمتعىة بما تعج به من أسواق ومتاجر وبضائع إلى جانب المطاعم التي توفر أفخر أنواع المأكولات وأطيبها إضافة إلى ما يتوافر فيها من منتجعات للراحة بين الرحلات تستقبل كبار الضيوف والشخصيات، كما أن إجراءات السفر روعي فيها السهولة والسرعة والبعد عن الروتين والتعقيد في إصدار التذاكر وبطاقات صعود الطائرة؛ وذلك بفضل التقنيات الحديثة والتطورة المستجدة التي طرأت في هذا الشأن. أما في الطائرات ذاتها فقد روعي في تصميمها أن توفر كل وسائل الراحة والمتعة للمسافر بكراسيها المريحة وبخدمات المضيفين السريعة والوافية، إلى جانب وسائل الامتاع والترفيه التي تعين المسافر على إزالة السأم والملل وعلى تحمل الساعات الطوال التي تستغرقها الرحلات عادة نحو الوجهات البعيدة. ولتعظيم اعتبارات وتوافر وسائل الأمن والسلامة في رحلات الطيران وسلامة الركاب فإن المسافرين يخضعون إلى إجراءات أمنية عديدة، تبدأ من الحجز والتأكد من هوية المسافر ومقارنتها بقواعد البيانات المتصلة بالجهات الأمنية الداخلية والدولية، وفي المطار يخضع المسافرون إلى الكشف الأمني واستخدام الأشعة السينية للكشف على أمتعة الركاب، إلى جانب التفتيش الشخصي لضمان عدم حملهم أي مواد قد تستخدم في تهديد أمن الآخرين في الطائرة.
ومما لاشك فيه، أن السفر بالطيران بات باعثاً للقلق ومصدراً للتوتر النفسي لدى كثير من مستخدمي هذه الوسيلة، نظراً لما نسمعه ونشاهده ونقرأ عنه من حوادث سقوط واحتراق وانفجار الطائرات، وإن كانت هذه الحوادث قليلة نسبة للرحلات الجوية التي تقدر بالآلاف يومياً تحمل ملايين المسافرين، إلا أن كوارثها جسيمة، وخسائرها فادحة، إذ يقدر ضحاياها البشرية بالمئات عندما تحدث، ويندر أن ينجو منها أحد، كما أن حوادث الطيران بالذات قد تأخذ بعداً إعلامياً كبيراً لعدة عوامل منها لندرة الحوادث ولعدد الضحايا الكبير ولوجود شخصيات مهمة ومشهورة ضمن الركاب. وتتعدد أسباب تحطم الطائرات وتتداخل ما بين الأخطاء البشرية والكوارث الطبيعية والعيوب المصنعية والأعمال الإرهابية المدبرة.

العوامل التي يمكن أن تكون سبباً في وقوع حوادث الطيران
الظروف المناخية والجوية:

تشكل الظروف المناخية والجوية نحو ١٠ ٪ من كوارث الطائرات، وعلى الرغم من توافر المساعدات الإلكترونية مثل البوصلات الجيروسكوبية، والملاحة الفضائية وتحليل بيانات الطقس، إلا أن الطائرات لا تزال تتأثر بالعواصف البرقية والثلجية والضباب. فقد يسبب سوء الأحوال الجوية في وقوع نحو 5.3 % من حوادث الطائرات التي تطير في حدود الغلاف الجوي، والتي يصل ارتفاعها إلى 34 ألف قدم؛ ففي خلال هذه المسافة تحدث تغيرات جوية كثيرة، وعوامل مختلفة؛ كسرعة الرياح، والكثافة، والسحب الرعدية، والضباب، والأمطار، وانخفاض درجة الحرارة التي تصل في قمة هذه الطبقة إلى 70 درجة تحت الصفر..
الأخطاء الميكانيكية والفنية: تشكل الأخطاء الميكانيكية والعيوب المصنعية نحو 20 ٪ من كوارث الطائرات، فعلى الرغم من التحسينات في تصميم وجودة تصنيع المحركات مما جعلها أجود صنعاً وأكثر موثوقية اليوم عما كانت عليه قبل نصف قرن، بيد أنها لا تزال تعاني في بعض الأحيان من الفشل المأساوي.

خطأ الطيار:

على اعتبار أن الطائرات من الصناعات الأكثر تقدماً وتعقيداً لذا فإن من الواجب أخذ الحيطة والحذر في معرفة أجزائها وآلاتها والإحاطة بها وكيفية استخدامها والتعامل معها، ويتحمل الطيار كثيراً من المسؤولية في هذا الخصوص ولا سيما أنه يعد خط الدفاع الأخير عندما تسوء الأمور بشكل طارئ. وتتطلب منه وظيفته الانهماك والتركيز في كل مرحلة من مراحل الرحلة وتدارك أي خطأ يتعلق ببرمجة «الكمبيوتر» لإدارة وتوجيه الرحلة الجوية بشكل صحيح وسليم. كما أن طاقم القيادة ككل يجب عليه الانتباه تماماً في اتباع الإجراءات المنصوص عليها بدقة وعدم الشرود، إذ ربما تعزى أسباب ارتفاع نسبة أخطاء طاقم القيادة إلى الإرهاق الشديد الذي يتعرّض له الطيارون نتيجة قلة أعدادهم ورغبة شركات الطيران في القيام بعدد كبير من الرحلات لتحقيق قدر أكبر من الربح، خصوصاً في المواسم التي يزداد فيها الإقبال على السفر.
الأخطاء البشرية وتدني الصيانة: تسهم الأخطاء البشرية بشكل كبير في كوارث الطائرات، مثل الأخطاء التي يرتكبها المراقبون الجويون، مزودو الوقود، مهندسو الصيانة، وفي بعض الأحيان يضطرون إلى مواصلة العمل في مدد طويلة ما يزيد من نسبة حصول الكوارث أو نقص في إجراءات الصيانة وإصلاح الخلل وتوافر قطع الغيار.

الاصطدام بالطيور:

وهو تهديد عام لسلامة الطيران، وقد سبب عدداً من الحوادث الخطيرة التي حصل جراؤها بعض الوفيات. وإن كانت حالات الوفاة تلك قليلة نسبياً للطائرات المدنية، ومعظم اصطدامات الطيور تسبب ضرراً بسيطاً للطائرة، لكنها بالتأكيد تسبب موت الطائر، ولكن ربما يحدث الضرر الأكبر عندما يدخل الطير في محركات الطائرة فيربك وظائفها أو ربما يصطدم بالزجاج الأمامي للطيار.

الإرهاب والتخريب:

لا يمكن إغفال هذا العامل من نسبة حدوث كوارث الطيران ولو أنها قليلة نسبياً لكنها مأساوية عندما تحدث، فلقد عزي كثير من حوادث الطيران واختطاف الطائرات إلى أفعال تخريبية وأعمال إرهابية ذات دوافع سياسية أو انتقامية أو عدائية.

أسباب غير محددة:

رغم أن لجان التحقيق في حوادث الطيران تبذل قصارى جهدها لتقصي وتحري ومعرفة الأسباب الحقيقية لتلك الحوادث إلا أن ثمة بعض الحالات التي يتعذر فيها الحصول على دلائل واضحة تؤدي إلى معرفة الأسباب الحقيقية لوقوع الحادث، وفي ظل هذه الحالات يتم تصنيف سبب الحادث على أنه «غير محدد» مع محاولة ذكر السبب المحتمل للحادث في التقرير النهائي.

أما تأثير هذه الحوادث على صناعة الطيران فإنه لا شك أن حوادث الطيران يكون لها انعكاس مادي ومعنوي خطير، بل وكارثي سواء بالنسبة للشركات المصنعة أو شركات الطيران التي تسير الرحلات، فبالنسبة للخسائر التي تلحق بالشركات المصنعة فإنها تتأثر بفقدان الثقة فيها وعدم الاطمئنان لها الأمر الذي يدفع بالشركة إلى أغلاق خط التصنيع الخاص بها كما حدث بالنسبة للطائرة الإثيوبية المنكوبة من طراز 737 ماكس التي سقطت وتحطمت في العاشر من شهر مارس الحالي وأسفر هذا الحادث عن وفاة 157 شخصاً، حيث قام كثير من الدول بالتوقف عن شرائها واستخدامها، بل وحظر مرورها في مجالها الجوي الأمر الذي أدى إلى خسائر فادحة تقدر بمئات المليارات على الشركة المصنعة لها، ناهيك عن الشركات المالكة لهذا النوع من الطائرات.
أما هل زادت تعقيدات التقنية المتطورة المستخدمة في الطائرات الحديثة من مخاطر الحوادث، فقد بلغت صناعة الطائرات شأواً كبيراً وقطعت بوناً شاسعاً في مضمار التقدم التقني والتطور الصناعي نظراً لما تقوم به من خدمات واسعة في نقل المسافرين جواً إلى وجهات بعيدة وأماكن نائية في أوقات قياسية محسوسة، وأنه بدون هذه الوسائل لا يمكن الوصول إليها بأي حال من الأحوال أو بعد رحلات وتنقلات قد تستغرق أياماً عديدة، كما أنها تنقل مواد تجارية لا تتحمل البطء أو الانتظار، وإذا ألقينا نظرة فاحصة على الطرازات الحديثة من الطائرات لوجدناها حافلة بالتقنيات المستجدة والأجهزة الذكية ذات الوظائف المختلفة والمهمات المتعددة، فمنها ما هو متعلق بالسلامة ومنها ما هو متعلق بتوفير وسائل الراحة والمتعة والترفيه للمسافرين، كما أن الطائرات الحديثة مزودة بكل وسائل السلامة ضد التقلبات الجوية والتغيرات المناخية والحوادث الطارئة، وكل هذه الأجهزة والأدوات والمعدات المزودة بها الطائرات الحديثة خصوصاً ما له علاقة بسلامة وأمن الراكب تجعل من الرحلات الجوية أكثر أماناً وسلاماً وشعوراً بالراحة والرضا النفسي.

التخفيف من تلك الحوادث الكارثية
هناك عوامل عدة يمكن النظر إليها والتأمل فيها من أجل الوصول إلى تطبيق قواعد عامة من شأنها بعون الله أن تعالج من تلك الحوادث المأساوية التي نشاهد ونسمع ونقرأ عنها بين حين وآخر لسقوط الطائرات وما يتبع ذلك من وقوع ضحايا بشرية فادحة وخسائر مادية باهظة. ويمكن تلخيص تلك العوامل فيما يلي:
الوعي تماماً عند تحديد الاحتياجات الفعلية للعمليات ومستلزماتها من خلال تصميم الطائرات والمعدات المساندة لها وإنتاجها وصولاً إلى تشغيلها وصيانتها. وتوفير وتقديم مستويات عالية من تدريب الأطقم العاملة على الطائرات وكذلك الأطقم العاملة بالمعدات الأرضية والأجهزة المساندة ومن مكامن الأخطار التشغيلية، كما يجب تحليل كل خلل على حدة لتحديد أسبابه وبذل الجهد اللازم للوصول إليه وإصلاحه. وباستخلاص تجارب سابقة في حوادث الطيران أثبت تحليلها أن أكبر نسبة من الحوادث هي تلك المرتبطة بالخطأ البشري، ويجب علينا أن ندرك دائماً عند عملية التحقيق في حادث أننا نبحث عن سبب الحادث وليس عن شخص لنحمله اللوم أو المسؤولية، ويجب على الأطقم الجوية وأفراد الصيانة والمراقبة الجوية والقيادات على كل المستويات إدراك أهمية السلامة ويجب عليهم التعرف على كيفية وقوع الحادث وكيفية منع وقوعه مرة أخرى، ويتأتى ذلك عن طريق التعليم والتوعية وبرامج السلامة والتدريب والإشراف واللياقة البدنية، وإزالة كل ما يمكن أن يسبب الإهمال والإرهاق والقلق وعدم التركيز وعدم الالتزام باللياقة البدنية. وقد يكون الخلل الفني سبباً رئيساً، بل ومباشراً في حوادث الطيران، ويبرز ذلك في عيوب الصيانة، ويكون ذلك نتيجة إهمال إصلاح بعض الأعطال، أو إهمال صيانة العدادات والمحركات؛ مما يتسبب بوقوع الحادث، وقد يرجع الخلل الفني إلى الأخطاء إما في التصميم أو التصنيع أو الصيانة المجدولة أو تدني ورداءة جودة المواد.

الصندوق الأسود
بعد حوادث الطيران تتركز التحقيقات عادةً على البحث عن جهازي تسجيل معروفين بـ (الصندوق الأسود) موجودين في ذيل الطائرة من أجل تحري ومعرفة أسباب الحوادث، والصندوق الأسود هو الجهاز الذي يضم بيانات دقيقة عن حادث الطائرة، وهو العامل الرئيس المساعد في حلّ لغز الحادث وكشف أسبابه. وتُلزم القوانين الدولية المتفق والمتعارف عليها جميع الرحلات الجوية بحمله (وهو أصلًا جزء لا يتجزأ من الطائرة) حتى يمكن الاستفادة منه في معرفة سبب الحادث وتجنبه في المستقبل. ويحتوي الصندوق على مرشد لاسلكي لتحديد موقعه تحت الماء؛ إذ يطلق ذبذبات ضوئية عالية التردد 37.4 كيلو هرتز عند مساس المياه والثلوج الكثيفة والرطوبة عند خروجه من ذيل الطائرة، ويمكن تمييز تلك الإشارات على بعد 2.5 ميل، وعلى عمق 120 ألف قدم تحت الماء، ولمدة 30 يوماً متواصلة. ويوجد بداخل الصندوق شريط تسجيل معلومات عالي النوعية بعرض ربع بوصة، وله قابلية التسجيل المستمر لمدة 25 ساعة متواصلة، ويعود إلى التسجيل من جديد بعد انتهاء المدة فوق البيانات القديمة التي تُمسح تلقائياً. ومما هو جدير بالذكر أنه إلى جانب الصندوق الأسود في تحري أسباب الحادث إلا أن تجميع حطام الطائرة يعد هو ذاته أساساً مهماً في التحقيقات. والغريب أن الصندوق برتقالي اللون، وسمّي بالصندوق الأسود؛ لارتباطه بالكوارث الجوية وحوادث سقوط وتحطم الطائرات.. حمانا الله وإياكم منها.

تحكم إلكتروني
ويقول د. نايف العتيبي إن الطائرات الحديثة تقدمت بشكل كبير بفضل التكنولوجيا المستخدمة في مجالات متعددة. أحد هذه المجالات التكنولوجية هو أنظمة التحكم الأوتوماتيكي (Automatic Control Systems). هذه الأنظمة تعمل على التشغيل الذاتي للمعدات والأجهزة باستخدام طرق متعددة مثل الهيدروليك الميكانيكي، الأجهزة الإلكترونية، الحساسات الإلكترونية، وأجهزة وبرامج الحاسب. الطائرات تحتوي على عدد كبير من أجهزة التحكم الأوتوماتيكي وبعضها يقوم بعمل مهم وحساس لعملية الطيران. على سبيل المثال نظام الطيار الآلي (Autopilot) الذي يتحكم في مسار الطائرة وأنظمة أخرى مهامها الحفاظ على ثبات الطائرة وحمايتها أثناء الطيران. الطائرات تعتمد على عدد كبير من أنظمة التحكم الأوتوماتيكي وأي خلل في أحد هذه الأنظمة أو عدم فهم مهامها وكيفية عملها قد يؤدي إلى خلل في عملية الطيران بشكل مفاجئ وهو ما قد يسبب حوادث لا سمح الله.
بالنسبة لطائرة بوينج الجديدة (737-Max8) فهي طائرة حديثة ودخلت الخدمة من فترة قصيرة. تم تصميم الطائرة بشكل مغاير عن النسخ السابقة وذلك لتوفير استخدام الوقود. التغيير في التصميم أثر على خصائص الطيران لدى هذه الطائرة مما تطلب تعديل أو أضافة أنظمة تحكم أوتوماتيكي جديدة. يتوجب مع هذه التعديلات أن يتم تدريب الطيارين على قيادة الطائرة في ظل التغيرات في سلوك الطائرة الجديد والتعامل مع أنظمة التحكم الأوتوماتيكي المعدلة أو الجديدة. التدريب مهم جداً لخلق فهم شامل لمهام هذه الأنظمة وتحقيق تجانس في العمل بين الطيار وأنظمة التحكم لتجنب أي تعارض في أداء مهامهم. ولتقريب فكرة تجانس العمل بين التقنية ومستخدمها، من الجيد إعطاء مثال للسيارات الحديثة التي بدورها تحتوي على أنظمة تحكم إلكتروني.. بعض السيارات تحتوي على تقنية الخروج عن المسار وإذا كانت مفعلة والسائق لا يعلم كيفية عمل التقنية فإن قيامها بتنبيه السائق عبر اهتزاز المقود حسب مهمتها قد يربك السائق لثوانٍ وهو ما قد يسبب حادثاً. وبالنسبة للحوادث الأخيرة لهذا النوع من الطائرات فإنه يصعب التكهن بسببها ويفضل انتظار تحليل بيانات الصندق الأسود ولكن من خلال التحركات الدولية في عالم الطيران التي أدت إلى إيقاف استخدام هذا النوع فإنه من الممكن ترجيح احتمالية وجود خلل في تصميم الطائرة وأنظمتها على أن يكون خطأ بشرياً مباشراً.

الطائرات أكثر وسائل النقل أمناً
المهندس كابتن خليل عبد الله جوهرجي يشير إلى أن وسائل النقل كثيرة سواء براً أو بحراً أو جواً، وتعد الطائرات من أأمن وأسلم وسائل النقل، والإحصائيات تؤكد ذلك وأضرب مثلاً أن حوادث السيارات تؤدي إلى مقتل الآلاف عالمياً ولو نظرنا إلى المملكة كمثال حي تجد أن كل ساعة ونصف يموت أو يصاب شخص على الطريق، وتعد هذه النسبة عالية جداً مقارنة بالوسائل الآخرى خاصة الطيران وجميع الناس تولي اهتماماً فائقاً لحوادث الطيران نتيجة أما للخوف من الطيران في الفضاء أو الخوف من الأماكن العالية أو العشق والشغف وكونك تعتمد بعد الله على أشخاص تؤمن بأنهم مؤهلين علمياً وحرفياً على قيادة وصيانة هذا النوع من الطائرات فهناك اهتمام من جميع شرائح المجتمع.
إن نوع الطائرتين اللتين سقطتا مؤخراً في إندونيسيا وإثيوبيا هي طائرات موجودة من السبعينيات، وأقصد كهيكل وكابينة وأنظمة التشغيل الكهرباء والهايدروليك والتكييف لم تختلف كثيراً كأساسيات، وقد أحدثت تطورات التكنولوجيا تغيراً شاملاً في الطائرة من ناحية المحركات وأنظمة الملاحة والطيران الآلي. وخلال الثلاثين سنة الماضية تطور هذا النوع من الطائرات فبعد صناعة الـ B737 – 200 تم صناعة الـ B737 – 300 وتوالت الـ 400 حتى وصلنا إلى B737 – 700 800 900 وأخيراً ظهرت الـ B737Max. والتي عملت ضجة كبيرة في سوق الطيران نظراً لمحركاتها القوية والتي توفر في الوقود ما يقدر نسبته بـ ١٤ ٪ كذلك سعة الطائرة والتي تراوح من ١٣٥ مقعداً حتى قرابة ٢٣٠ مما يلبي رغبات شركات الطيران.

هناك ثلاثة عوامل أساسية تؤدي إلى حوادث الطيران
1 – العنصر البشري وأخطاؤه وهو ما يسمي بـ Human Error
2 – عطل فني سواءً كان ميكانيكياً أو كهربائياً. Technical issue
3 – الطقس Adverse weather

وتمثل الأخطاء البشرية ما يقارب ٨٠ ٪ من حوادث الطائرات سواءً من قبل قائدي الطائرات أو الفنيين على الأرض أو حتي المرحلين على أجهزة الرادار والأبراج في المطارات، وتأتي بعدها الأعطال الفنية التي قلّت بشكل كبير عما كانت عليه في السنوات الأولى من صناعة هذا النوع من الطائرات نظراً للتقدم في صناعة المحركات النفاثة من شركات عملاقة كشركة جنرال إلكتريك GE وشركة رولز رويس RR التي أصبحت جودتها quality وموثوقيتها reliability تتعدى ٩٩.٩ ٪ وما زالت تمثل هذه المشاكل الفنية ما يقارب ١٠/ ١٥ ٪ من حوادث الطيران وأخيراً تأتي العوامل الجوية من أمطار وصواعق وسحب رعدية تحدياً كبيراً للرحلات الداخلية والخارجية، وقد تقدم العلم كثيراً في مجال التنبوء والرصد وكذلك أصبحت أجهزة الرادار المجهزة بالطائرات ذات جودة عالية تساعد الطاقم في تجنب المناطق الخطرة والطيران بسلام، ورغم ذلك يمثل الطقس ما مقداره ١٠,٥ ٪ من حوادث الطيران عالمياً.
ورغم أن هذه الحوادث تمثل نسبة ضئيلة مقارنة بمجموع ساعات الطيران حول العالم إلا أن حدوثها يصبح خبراً عالمياً ويتناقله الإعلام ووسائل الاتصالات لأنه يؤثر على الملايين من المسافرين، ولا شك أن التحول إلى الأجهزة الرقمية ودخول تكنولوجيا الكابينة الزجاجية واستخدام الطيار الآلي وتصنيع محركات قوية وذات فاعلية كبيرة قد أسهم كثيراً في رفع الأمان والسلامة في هذا المجال وأعطي طاقم الطائرة راحة أكثر جسدياً ونفسياً للتركيز وإعطاء الأوليات وبالتالي هذا ينعكس على سلامة المسافرين.
إن إدخال المعلومات الصحيحة لأجهزة الطائرة مثل الـ FMS ولوحة السيطرة يعد أمراً مهما وبالتالي في حالة إدخال معلومات خاطئة أو غيّر دقيقة يكون الخطأ هنا بشرياً في حين تكون الطائرة سليمة. وطائرة الـ B737 ماكس تواجه مشاكل جمة الآن ولا شك أنها عرضت شركة بوينج إلى خسائر مالية كبيرة وتدهور في سمعتها. ويلاحظ أن كثيراً من شركات الطيران تفكر جدياً في وقف شراء أي طائرات من هذا النوع إلى حين تتضح الصورة وتترقب ما ستتخذه شركة بوينج من خطوات ومحاذير تضمن سلامة الطائرة وركابها.
شركة بوينج تواجه الآن ما واجهته شركة إيرباص حينما تحطمت طائرتها من نوع 320 أثناء المرحلة الأولى خلال الهبوط لعدم استجابة الطائرة لإدخال قايد الطائرة وتحطمت أمام أعين الجماهير التي اكتظت لمشاهدة أول تجربة حقيقية، وقد تغلبت إيرباص على مشاكلها وأصبحت طائراتها تحلق حول العالم بأمن وسلام وسوف تتغلب بوينج على مشكلة برمجة كمبيوتر الطائرة وحساسات الـ AOA الزاوية الحرجة angle of attack والتي تعطي إشارة إلى أن الطائرة بدت بالانهيار stall، وفي رأيي الشخصي ستعود الطائرة للطيران مرة أخرى لأنها نتاج تصميم قوي وقديم Proven Design وستغير من قائمة المراجع emergency checklist وتدرب طواقم الطائرات حتي يكونوا على أهبة الاستعداد للتغلب على أي مشاكل من هذا النوع في المستقبل.

حودث نادرة
م. طارق سليمان العريجة يوضح أن الدراسات والمعطيات السابقة أثبتت أن أفضل وأسرع وسيلة نقل آمنة، هي الطائرات؛ نظراً لقلة الحوادث فيها، ولكن ما حدث للطائرتين 737 التابعتين للخطوط الإثيوبية وللخطوط الإندونيسية، وقرب زمن الحادثتين، أدى إلى هز سمعة النقل الجوي من جهة، وسمعة هذا النوع من الطائرات من جهة أخرى. واستناداً إلى خبرتي المتواضعة بالنسبة لحوادث الطائرات، فهي نادراً ما تحدث، وإن حدثت، فمن الصعب تشويه سمعة طائرات بوينج، لأن هذه الشركة لها باع طويل في تصنيع الطائرات، خصوصاً هذا النوع من الطائرات، وأقصد طائرات 737 كانت ضمن أسطول الخطوط السعودية، ومن ثم تم استبدالها بطائرات الإيرباص، وهذا لا يقلل بالتأكيد من قيمتها ومكانتها، يدلل على ذلك، أن الخطوط السعودية اعتمدت على هذا النوع من الطائرات لحقبة كبيرة من الزمن، ولم يحدث خلال هذه الفترة أي خلل ولله الحمد. فهي طائرات تتحمل أقصى الظروف المناخية والجوية، خاصة في الرحلات الداخلية بين المدن السعودية، وهذا الأمر من واقع تجربة. وبناء على ما سبق ذكره، يمكنني تفسير ما حدث، باحتمالية حدوث خلل في الطائرة، أو سوء صيانة من قبل الشركة نفسها، وهذا الأمر ينبغي ألا يجعلنا نشك في صناعة هذه الطائرة، استناداً إلى أقدمية وجودها في مختلف مطارات بلاد العالم وليس بلادنا فحسب، وإنما يشعرنا بسوء العمل على صيانتها كما ينبغي، وإن كانت التحقيقات لم تنته بعد.

طائرة 737 ماكس 8 الخيار الأول لشركات الطيران الاقتصادي
عند سؤالنا لـ د.م. موفق محمد عريجة، عن أهم العوامل والأسباب التي تؤدي إلى حوادث الطائرات، أجابنا قائلاً: أكثر الأسباب تكون عن أخطاء بشرية، إما نتيجة عدم اتباع شروط ومعايير السلامة والصيانة والتعليمات الصارمة، وبعضها يكون نتيجة أخطاء فنية، خصوصاً عند دخول طائرات حديثة المجال الجوي، ومع ساعات الطيران، قد تنجم بعض الأخطاء. وعن تأثير هذه الحوادث على صناعة الطيران، أجابنا د. عريجة قائلاً: التأثير جسيم فيها، وتبدأ هيئة الطيران الدولي بالتحقيق الفوري، والعمل على إيجاد المسببات بحذافيرها؛ للبدء فوراً في تعليمات أكثر دقة وصرامة لتفادي الأخطاء. والنتائج اليوم تفيد، أن التنقل بالطيران هو الأكثر أماناً، مقارنة بوسائل النقل الأخرى، بالعودة لنسبة حدوث الحوادث مقارنة بعدد الرحلات والمسافرين، وعلى سبيل المثال، طائرة 737 ماكس 8، هي طائرة حديثة محدثة عن سابقتها، وبها مزايا عديدة، منها أنها أقل استخدام للوقود بنسبة تصل لـ 30 % وأقل لمسافات تصل إلى 8000 كم، مما يجعلها الخيار الأول للشركات، خصوصاً الطيران الاقتصادي، فهي قادرة على التحليق من أوروبا إلى آسيا على سبيل المثال. وأيضاً تحمل أكثر عدد من المسافرين، مقارنة بالفئة نفسها، إلا أن طرازي ماكس 8 و9 أطول، وقد حصلت شركة بوينج على ما يقارب 4800 طلب شراء منذ تدشينها. وسبب توقف الشركات المشغلة لهذين الطرازين، جاء بتوجيه من هيئة الطيران الدولي؛ للتحقيق في الحادثتين الأخيرتين؛ وللتأكد من أنه لا توجد أسباب هندسية أو تقنية؛ ولتدشين مزيد من وسائل السلامة بناء على نتائج التحقيق، والتي تشير أولها إلى أن أجهزة التحكم في الإقلاع لم تكن تعطي مؤشرات صحيحة.
وعند سؤالنا لـ د.م. موفق محمد عريجة، عما إذا زادت تعقيدات التقنية المتطورة المستخدمة في الطائرات الحديثة من مخاطر الحوادث، أجابنا قائلاً: التقنيات الحديثة زادت بشكل كبير من وسائل السلامة في مجال الطيران، بل وزادت من وسائل الراحة أثناء السفر على متن الطائرة، ولم تزد من مخاطر الحوادث. صحيح أن الطائرات بها أجهزة معقدة تقنياً، وأيضاً متكررة، مثل بعض أجهزة القياس، إذ يكون بها اثنان، أو أجهزة التحكم كذلك، بحيث لو تعطل واحد، يكون الآخر بديلاً منه.

المشكلة ليست في التقنية ولا في تعقيداتها بل في عدم مراعاة شروط السلامة ونواميسها
وعند سؤالنا لـ د.نجيب أبوعظمة، عن أهم نتائج حدوث حوادث الطيران، بما في ذلك بالطبع حادثة سقوط الطائرة الإثيوبية بوينج 737، وما أسفرت عنه من وفاة كل ركابها وطاقمها، أجابنا قائلاً: مع تسليمنا بالقضاء والقدر، غير أننا مأمورين «اعقلها وتوكل». الحقيقة ثقة الغرب في التقنيات، فاقت حدود المعقول، بل تصل في بعض أفلامهم لتأليه التقنيات، مما يدفعهم لاستخدام بعض التطبيقات في ضوء نتائجها حسابياً دون خضوعها للتجربة بشكل كاف، ودون حساب المخاطر كما يجب، فالقضية ليست معادلة حسابية يتبعها إنتاج منتج واستخدامه، بل يجب أن يخضع المنتج للتجارب والاختبارات؛ للحصول على نتائج تراعي شروط السلامة، وتحافظ على الأرواح والأموال، وكما قيل (التجربة خير برهان)، لذلك فإن من المحتمل، أن تؤثر هذه الحوادث على صناعة الطيران على أكثر من صعيد: أحدهما: إحجام البعض عن السفر بالطائرات إلا في نطاق ضيق، وعند عدم وجود بديل مناسب يوفر الراحة والزمن، ولعل قطارات الأنبوب السريعة تمثل بديلاً مستقبلياً لهذه الفئة. وثانيهما: زيادة الحرص عند صناعة الطائرات، خاصة فيما يتعلق بالبعد المرتبط بإدخال أو تطوير أي مكون من المكونات المرتبطة بالسلامة، وبخاصة ما يرتبط بالمكبح، وعمليتي الهبوط والصعود. وثالثها: الخسائر المالية الكبيرة على منتجي الطائرات وشركات الطيران المستخدمة للطائرات موضع الإشكال، وقد يؤدي الحادث الأخير لإفلاس شركة بوينج، في ضوء تدني ثمن أسهمها في البورصة العالمية، وما قد يتبع ذلك من رفع قضايا من الشركات المستخدمة والدول؛ للمطالبة بتعويضات نظير ما وقع عليها من ضرر، والمطالبة بإيقاف رحلاتها.
وبسؤالنا لـ د. أبوعظمة، عما إذا زادت تعقيدات التقنية المتطورة المستخدمة في الطائرات الحديثة من مخاطر الحوادث، أجابنا قائلاً: لا شك أن تعقيدات التقنية في صناعة الطائرات لها أثر كبير، خاصة في ضوء التنافس بين شركات الطيران باستعجال حصد المكاسب عن طريق استعجال تطوير ورفع مستوى المواصفات على حساب أرواح البشر. ومشكلة المشاكل في تقديري تكمن بإلحاح المكتبيين على التطوير والتميز من خلف مكاتبهم على حساب المنتجين الفعليين في المصانع، خاصة إذا ربط ذلك بتحسين الدخل. صحيح أن التقنية نعمة يصعب إنكارها، ولكن توظيف التقنية، وتعجل المكاسب، يعكس الموازين، فمن صنع التقنية بشر، ومن أوصلها لدرجة من التعقيد بشر، إذن المشكلة ليست في التقنية، ولا في تعقيداتها، بل في عدم التخطيط والتنفيذ السليمين، وعدم مراعاة شروط السلامة ونواميسها.
في مراحل التصميم يتم اختبار الأنظمة المختلفة في الطائرة ووضع سيناريوهات لفشلها للتأكد من سلامة الطيران
وبسؤالنا لـ د. وائل هرساني، عن مدى صحة ما يردد، من أن الطيران أكثر وسائل الانتقال سلامة وأمناً، أجابنا قائلاً: أؤكد على ذلك، ومرد تأكيدي، أنه في مراحل التصميم يتم ليس فقط اختبار الأنظمة المختلفة في الطائرة والتأكد من سلامتها، وإنما أيضاً (زيادة على تصميم السيارات مثلاً)، وضع سيناريوهات مختلفة في فشل بعض الأنظمة، والتأكد من سلامة الطيران، كعدم فشل المحرك أو احتراقه، أو فشل نظام نزول العجلات، أو فشل نظام هدروليكي معين.. إلخ، وهذا أمر غير مستغرب، بل إن مصمم الطائرة دائماً ما يضع في تصوره حدوث بعض القصور بين حين وآخر، ويعمل على إيجاد الحلول لها، حرصاً على سلامة الركاب أولاً وآخر.. ومن ذلك ما قامت به بعض الدول، بوقف تحليق طائرات بوينج 737، بعد سقوط الطائرة الإثيوبية ووفاة كل ركابها وطاقمها، حتى يتم معرفة مسببات الحادث.

ليست هناك تعليقات