الإنقاذ البحري
الإنقاذ البحري Sauvetage Maritime هو العمل الذي يرمي إلى دفع خطر الهلاك أو
الضياع أو الأذى عن الإنسان الذي فقد سفينته، أو أصبحت هذه السفينة في حكم
المفقودة، والحيلولة دون تلف الأشياء التي سقطت في البحر على أثر حادث بحري وبذل
المساعدة للسفن المهددة بالغرق للحيلولة دون ذلك.
ومنذ عرف الإنسان
البحر هابه وما يزال يهابه، وعندما أنزلت سفينة الركاب البريطانية المشهورة
«تيتانيك»
Titanic إلى
البحر سميت بالسفينة التي لا تغرق لكنها غرقت في أول رحلة لها عام 1912.
ويمكن تلخيص عمليات
الإنقاذ البحري في نوعين رئيسيين هما: إنقاذ الأشخاص وإنقاذ السفن.
إنقاذ الإنسان في
البحر
يعود نشوء تنظيمات
الإنقاذ الأولى إلى القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر حيث أُحدِثَت في
بعض النقاط من السواحل محطات مزودة بمعدات خاصة. أمّا أول جمعية إنقاذ في أوربة
فظهرت على الشواطئ البريطانية في بداية القرن التاسع عشر، ثم استكملت في عام
1854 تنظيمها وشكلها الحاليين باسم «مؤسسة سفن الإنقاذ الوطنية الملكية»Royal National Life-boat
Institution.
أمّا في الولايات
المتحدة الأمريكية فقد أقامت جمعية مساشوستس الإنسانية أول محطة إنقاذ مزودة
بقارب، ثم ظهرت بعدها جمعيات أخرى، وانتهى المطاف بأن تولّت هذه المهمة قوات خفر
السواحل Coast
Guard.
الإنقاذ البحري في
القانون الدولي والتشريعات الوطنية:لم تعد ترتيبات الإنقاذ وسلامة الأرواح في
البحار تتوقف على شهامة ربابنة السفن والملاحين فحسب بل جعل القانون الدولي
والتشريعات الوطنية هذه المهمة واجباً قانونياً، إذ نصت المادة 11 من الاتفاقية
الدولية لعام 1910 المتعلقة بتوحيد بعض قواعد الإسعاف والإنقاذ في البحار على ما
يلي: «على كل ربان أن يقدم المساعدة إلى أي شخص مهدد بالغرق في البحر ولو كان
عدواً، على ألاّ تتعرض فيها سفينته وبحارته وركابه إلى خطر جدي...» وأضافت
المادة 9 من الاتفاقية نفسها: «لا يجب أيُ جُعْل على الأشخاص المنقَذين شريطة
عدم الإخلال بأحكام القوانين المحلية». وتأكد هذا الحكم في القاعدة 10 من ملحق
الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار لعام 1978 وفيها: «على ربان السفينة
في البحر عند تلقيه إشارة صادرة من أي سفينة أو طائرة مائية أو قارب تابع لأي
منهما في حالة خطر أن يتوجه بأقصى سرعة لمساعدة الأشخاص المعرضين لكارثة...» ثم
أكدت المادة 98 من الاتفاقية الدولية لقانون البحار لعام 1982 المضمون نفسه.
أما الترتيبات التي
يجب أن تتوافر في كل سفينة لضمان حياة المبحرين فقد دعا إلى الاهتمام بها الهياج
في الرأي العام الذي أحدثه غرق الباخرة «تيتانيك» والذي أدى إلى عقد أول اتفاقية
دولية لسلامة الأرواح في البحار لعام 1914، وقد روجعت هذه الاتفاقية وعدّلت في
الأعوام 1929 و1948 و1960 و1974. وفي عام 1979 تبنى مؤتمر هامبورغ الخاص بالنقل
البحري قراراً يطلب فيه من ربابنة السفن والملاحين استخدام الكتيب المتعلق
بكيفية إجراء البحث والإنقاذ في حال وقوع كوارث بحرية. وهو الكتيب الصادر عن
المنظمة البحرية الدولية International Maritime Organization (IMO)
ترتيبات الإنقاذ
على متن السفن:في ترتيبات الإنقاذ التي تجري على السفن في عُرض البحر يمكن
التفريق بين ترتيبات وقائية حددتها الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار
وهي تشمل السفن كلها بحسب أنواعها والنشاط الذي تمارسه، وترتيبات تتخذ في حالات
الخطر.
وتشمل الترتيبات
الوقائية ما يلي: تصميم السفينة وبناءها والتجهيزات اللازمة لسلامة الملاحة
فيها، ومستويات تأهيل الربابنة والضباط والمهندسين وشروط منحهم الشهادات التي
يمارسون وظائفهم بموجبها، وأهم الأجهزة التي يجب أن تحملها السفينة لسلامة
الأرواح، ولاسيما أجهزة الإرسال والاستقبال اللاسلكية.
أما الترتيبات التي
تنفذ في حالات الخطر فنوعان: إطلاق إشارات الخطر والاستغاثة واستعمال وسائل
النجاة.
إشارات الخطر: جاء
في الملحق 4 للأنظمة الدولية بشأن منع التصادم في البحار لعام 1972 ما يلي:
«تستخدم أو تظهر الإشارات التالية إما مشتركة وإما منفصلة للدلالة على الخطر
والحاجة إلى المساعدة:
ـ طلقة بندقية أو
مدفع أو أي إشارة أخرى متفجرة تطلق على مدد تستغرق دقيقة تقريباً.
ـ إصدار أصوات
متصلة بوساطة أي جهاز من أجهزة التأشير في الضباب.
ـ صواريخ أو قذائف
تقذف نجوماً حمراء تطلق واحدة منها كل مرة على دفعات منظمة.
ـ إرسال إشارة
بالبرق اللاسلكي أو بأي طريقة أخرى لإرسال الإشارات مكونة من مجموعة الحروف SOS بطريقة المورس [... ـ ...].
ـ إرسال إشارة
بالهاتف اللاسلكي تتكون من كلمة منطوقها «مَي دِي May day» (مقابل اللفظ الفرنسي M'aidez).
ـ رفع الإشارة
المتفق عليها دولياً في حالة الخطر وهي علما إشارة يمثلان الحرفين: N في الأعلى وتحته حرف C.
ـ رفع إشارة مكونة
من علم مربع في أعلاه وأسفله كرة أو أي شيء مشابه للكرة.
ـ إشعال نار على
السفينة (مثل إشعال برميل قطران أو برميل نفط أو غيرهما).
ـ إطلاق صاروخ معلق
بمظلة يصدر ضوءاً أحمر.
ـ إشارة دخان يصدر
عنها دخان بلون برتقالي فاتح.
ـ رفع الذراعين
ممدودين على الجانبين وإنزالهما ببطء على نحو متكرر.
ـ إشارة الإنذار
العائدة للبرق اللاسلكي.
ـ إشارة الإنذار
العائدة للهاتف اللاسلكي.
ـ إشارة ترسل من
الأجهزة اللاسلكية لتحديد موقع السفينة في الحالات الطارئة.
يحظر استخدام أي من
الإشارات المذكورة آنفاً إلاّ لأغراض الدلالة على الخطر والحاجة إلى المساعدة،
كما يحظر استخدام الإشارات التي يمكن أن تلتبس بالإشارات السابقة.
ـ وثمة إشارات
لاسلكية معتمدة تستعملها السفن المستغيثة لكي تلتقطها المنبهات الأوتوماتية على
السفن الأخرى، كما تستعمل قطعة قماش برتقالية اللون عليها مربع أسود ودائرة أو
أي رمز مناسب لجلب انتباه الطائرات.
وسائل النجاة: وهي
الوسائل التي تستعمل لإنقاذ الأشخاص عند تعرضهم للخطر وتصنف على النحو التالي:
ـ الوسائل الفردية:
كل سفينة ملزمة بحمل وسيلة نجاة فردية لكل فرد من أفراد طاقمها ولكل شخص على
متنها (مع عدد احتياطي في سفن الركاب). وهناك أنواع من هذه الوسائل كسترات
النجاة Life jacket والأحزمة والصِّدارات، ومعظمها محشو بالفلين.
إلا أنه منذ عام 1960 سمح باستعمال سترات النجاة القابلة للنفخ بالهواء.
ـ أطواق النجاة: هي
حلقات دائرية من قماش كتاني محشوة بالفلين أو بخشب خفيف، توضع في جوانب السفينة
العليا، وترمى للمعرضين للغرق يتمسكون بها ريثما ينقذون. تجهز الأطواق بعوامات
إشارة تعطي أنواراً تضيء ذاتياً فور إلقائها في الماء. ويحمل الطوق علاَّماً
(جهاز تأشير) ينشر دخاناً بلون برتقالي فاتح نهاراً ويضيء في الليل مدة ساعتين
على الأقل.
ـ أطواف النجاة
الصلبة: تصنع بأشكال مختلفة وتحتوي على خزانات طفو معدنية، ويشترط أن تكون قابلة
للإسقاط في الماء من دون أن تصاب بعطب وألا يزيد وزنها على 181.5 كغ وأن تطفو
طفواً جيداً ومتوازناً وتكون محاطة بحزام حبلي يتمسك به المعرضون للغرق.
ـ أطواف النجاة
القابلة للنفخ: دخلت هذه الأطواف مجال الاستعمال في السفن البريطانية عام 1956،
ثم سمحت الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار باستعمالها عام 1960 وعم
استعمالها في كل من سفن الركاب وسفن البضائع والقاطرات البحرية. وتصنع هذه
الأطواف من أقمشة مطاطية قابلة للنفخ تلقائياً، وقد حلت محل الأطواف الصلبة في
كثير من السفن.
ـ قوارب النجاة: هي
قوارب مكشوفة ذات جوانب متينة البناء تزود من الداخل بخزانات طفو. ويتمتع القارب
بتوازن عال في أثناء الإبحار وبارتفاع طفو كاف عند تحميله بكامل حمولته من
الأشخاص والمعدات، كما يكون جانباه مجهزين بحزام حبلي للإمساك به من الماء.
وتزود القوارب
المعدة لأكثر من اثني عشر شخصاً، إضافة إلى المعدات الملاحية والمواد التموينية
بالمعدات التالية: إشارات خطر مظلية وأنوار إشارة وكشاف كهربائي صالح لإشارات
مورس ومرآة إشارة بضوء النهار وصافرة وخيط صيد مع ست صنارات ومواد إسعاف أولي
وتعليمات عن كيفية استعمال مختلف المعدات والتجهيزات. كما يوضع في القارب جهاز
لاسلكي في مكان معين، ويكون لكل قارب بحار مؤهل من بحارة السفينة يحمل شهادة
قيادة قارب نجاة.
ـ جهاز قذف حبل
الرمي (الحدّاف): على كل سفينة أن تحمل جهازاً لقذف حبل الرمي حتى مسافة 229
متراً في طقس هادئ مع دقة في التوجيه كافية، ويجب أن يكون مع الجهاز أربعة حبال
رمي وأربع خرطوشات أو قذائف صاروخية وتبلغ قوة تحمل الحبل نحو 113 كغ على الأقل.
عمليات الإنقاذ
المنظمة من الشواطئ
نصت الاتفاقية
الدولية للبحث والإنقاذ لعام 1972 على تنظيم عمليات الإنقاذ من الشواطئ وفق
الخطوط العامة التالية:
تقوم الدول الأطراف
في منطقة جغرافية ما بالاتفاق فيما بينها على تحديد «مناطق بحث وإنقاذ» بأبعاد
معينة، بصرف النظر عن حدود الولاية الوطنية في البحر للدول المعنية، وتقيم كل
دولة في القسم الذي يخضع لولايتها من منطقة البحث والإنقاذ «مركزاً واحداً أو
عدة مراكز لتنسيق الإنقاذ» تكون مهمتها تطوير التنظيم الفعال لخدمات البحث
والإنقاذ وتنسيق العمليات في المنطقة المحددة لكل مركز. ويربط بكل مركز تنسيق
مراكز إنقاذ فرعية، وتزود مراكز التنسيق هذه بمحطات لاسلكية ساحلية ووسائل
الاتصال اللازمة مع وحدات الإنقاذ التابعة لها ومع مراكز التنسيق الأخرى
المجاورة. كذلك تقوم الحكومة المعنية بتكوين وحدات إنقاذ عامة أو خاصة في مواقع
محددة تجهز بالوسائل المناسبة.
وقد يحدث أحياناً
أن تقع الكارثة قرب الشاطئ من جنوح سفينة إليه، فالمحطات الساحلية تعتمد على
وسائل تسمى «أجهزة الإنقاذ الصاروخي» ويدير هذه المحطات عادة قوات من خفر
السواحل. وتزود بمثل هذا الجهاز في العادة المحطات المقامة قرب المناطق الصخرية
أو الشواطئ المرتفعة وفي الأماكن التي لا تستطيع فيها قوارب النجاة الاقتراب من
الشاطئ.
إنقاذ السفن في عرض
البحر
قد تتعرض السفن في
عُرض البحر لحوادث خطيرة تضطر ربابنتها إلى طلب المساعدة من مصادر خارجية. وهناك
حالتان للإنقاذ: الحالة الأولى عندما تكون السفينة ما تزال عائمة ولا خوف عليها
من الغرق، أو جانحة جنوحاً خفيفاً كأن يحدث عطب في المحارة أو في الدفة أو في
أجهزة الدفع الميكانيكي، فتصبح السفينة عاجزة كلياً أو جزئياً عن استئناف
الإبحار، فهنا يمكن أن تطلب السفينة المعطوبة مساعدة سفينة أخرى في الجوار، فإذا
كانت السفينة في خطر داهم فلا شك في أن الربان والبحارة سيرحبون بالمساعدة من
دون أي شرط وتخضع جُعالة الإنقاذ في هذه الحالة إمّا إلى قانون المكان، وإما إلى
الأعراف الدولية. أما إذا كانت السفينة وبحارتها غير معرضين لخطر مباشر فغالباً
ما يجري عقد بين ربان السفينة المستنجدة والسفينة المنجدة. ولا يستحق جُعْل
الإنقاذ ما لم ينجح.
أما في الحالات
الصعبة كجنوح السفينة على كثيب رملي بحري بعد سرعة كبيرة فيكون الاعتماد على
شركات إنقاذ مجهزة بقاطرات قوية ورافعات عائمة ومضخات قوية.
ولما كانت الغواصات
تتميز بخصائص معينة تختلف عما تكون عليه الأمور في القطع البحرية الأخرى سواء
أكانت تجارية أم حربية، فإنه من المفيد شرح إنقاذها بشكل موجز.
إنقاذ رجال
الغواصات
قد تعجز الغواصات
عن الصعود إلى سطح الماء لخلل فني أصابها. وعندما يتقرر إخلاؤها، يتوجه طاقمها
إلى قطاعات النجاة مرتدين سترات النجاة، ويتوزعون زمراً صغيرة. تدخل الزمرة حجرة
صغيرة تدعى حجرة الغَمْر Lock وتكون
ذات نهاية أسطوانية، ويكون الدخول من نافذة في قعر الحجرة، وثمة نافذتان أخريان
إحداهما في قمة الحجرة والأخرى على الجانب. تغلق نافذة القعر بعد دخول الزمرة
ويفتح صمام تدفّق الماء فيدخل الماء إلى الحجرة حتى يصبح مستواه أعلى من النافذة
الجانبية، ويجري عندها إدخال الهواء المضغوط إلى الجزء العلوي من الحجرة لإيقاف
استمرار ارتفاع الماء ليستطيع الرجال التنفس براحة في فقاعة الهواء فوق سطح
الماء في الحجرة. وينفخ الرجال سترات النجاة استعداداً للمغادرة، ثم يملأ الأول
من الخارجين رئتيه بالهواء، ويمر من النافذة الجانبية ويزفر بأقوى ما يستطيع في
أثناء صعوده السريع إلى السطح، إذ إن أي كمية هواء تبقى في صدره ستتمدد على
السطح بتناقص ضغط الماء ويمكن أن تؤدي إلى انفجار في رئتيه، ويتوالى سائر
الأفراد على هذه الطريقة، ثم يغلق آخر رجل النافذة الجانبية بعد مروره منها
(ويمكن أن يُغلق من داخل الغواصة)، وتفرغ الحجرة من الماء لتدخلها الزمرة
التالية لمتابعة عملية الإنقاذ.
وترسل أحياناً من
السطح إلى الغواصة المعطوبة في الأسفل، حجرة إنقاذ أسطوانية كتيمة ذات نافذتين
علوية وسفلية، تتصل من الأسفل، وعلى كامل جدران الأسطوانة، بجزء مكمل للحجرة
يسمى الثوب Shirt.
تحدد الغواصة
المعطوبة موقعها بإطلاق عوامة تطفو على السطح ساحبة معها سلكاً متصلاً بنافذة
على سطح الغواصة تستعين به حجرة الإنقاذ التي يقودها اثنان من الملاحين المهرة
في إيجاد طريقها إلى نافذة الغواصة بأن تلف السلك على ملفاف Winch داخل الثوب.
الإنقاذ بوساطة
الطائرات العمودية (الحوامات)
منذ الحرب الكورية
(1950- 1953) أثبتت الحوامة فعالية مهمة في عمليات الإنقاذ، لما تتمتع به من
خصائص ومزايا لا تتوافر لأصناف الطيران الأخرى. فهي قادرة على التدخل السريع إلى
جانب إمكان التحليق مدة طويلة فوق الهدف، كما يمكنها أن تهبط فوق سطح الماء إذا
ما زودت بطوافات على شكل «بالون» كبير يوضع بدل الزحافة أو العجلة، وبإمكانها أن
تهبط على سطح السفن وخاصة الكبيرة منها مثل ناقلات النفط، ولهذه الغاية يرسم في
مكان محدد على سطح السفينة دائرة في وسطها حرف H دلالة
على أن في وسعها استقبال الحوامات عند اللزوم.
وثمة أنواع من
الحوامات مزودة بأجهزة تلفزيونية للعمل في حالات الرؤية السيئة، وأجهزة تعمل
بالأشعة تحت الحمراء للعمل في الليل. وقد أصبحت الحوامة وسيلة أساسية من وسائل
الإنقاذ التي تستعملها السلطات الساحلية البحرية (خفر السواحل) في الدول البحرية.
الإنقاذ البحري
والاتصالات اللاسلكية
إن النظام الدولي
للاستغاثة والسلامة في البحار، الذي تعمل المنظمة البحرية الدولية IMO على إقامته، يستند في أساسه إلى تقنيات
الاتصالات اللاسلكية المتطورة، والاتصالات عن طريق السواتل الصنعية بالتعاون مع
الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية ITU، وقد مر هذا النظام
بمراحل تاريخية فرضتها التجارب والتطور العلمي والتقني.
إن أول حادث استعمل
فيه البرق اللاسلكي لإنقاذ الأرواح في البحار كان في آذار 1899، عندما استعملت
سفينة منارة قرب دوفر جهاز برق لاسلكياً من طراز ماركوني لإرسال إشارة تنبئ
بجنوح السفينة التجارية «إلبة» Elbe، وأرسل إليها قارب نجاة
فور تلقي البرقية فوصل في الوقت المناسب، وأنقذت بحارة السفينة. وفي عام 1900
جرى حادث مشابه في روسية، فأرسلت برقية باستخدام جهاز مصنوع فيها، وأنقذ صيادون
حوصروا بالجليد في خليج فنلندة.
وفي عام 1903، وبعد
أول اتصال لاسلكي جرى عبر المحيط الأطلسي، عقد في برلين مؤتمر لإقامة تنظيم دولي
للاتصالات اللاسلكية.
وفي عام 1909
اصطدمت السفينتان رِبَبْليك Republic وفولتورنو Volturno في عرض البحر قرب شواطئ الولايات المتحدة الأمريكية، وتلقت محطة
لاسلكية ساحلية نداء الاستغاثة، وبعد 30 دقيقة وصلت سفينة مزودة بجهاز راديو إلى
موقع الحادث وأمكنها إنقاذ 1700 إنسان وتجنب كارثة محققة.
خدمة التنصت على
السفن: حين غرقت السفينة تيتانيك بعد ساعة من اصطدامها بجبل جليدي عائم لقي 1500
شخص حتفهم، وأُنقذ أكثر من 700 شخص بمساعدة سفينة الخطوط المنتظمة كارباثيا Carpathia التي التقطت برقية الاستغاثة، على حين لم تستطع
السفينة كليفورنية California تقديم أي مساعدة مع أنها كانت على مقربة من الحادث نسبياً، لأن ضابط
اللاسلكي لم يكن قائماً بخدمة التنصت، ولولا ذلك ما بلغت الكارثة هذا المبلغ
المروّع. وفي إثر هذا الحادث وضعت الاتفاقية الدولية الأولى لسلامة الأرواح في
البحار «سولاس» SOLAS ؛ وهي الحروف الأولى من
عبارة Safety of
Life at Sea باللغة
الإنكليزية، واتفق على إلزام السفن التي تقوم بنقل أكثر من خمسين راكباً حمل
أجهزة لاسلكية لا يقل مداها عن 100 ميل بحري، وإلزام سفن الركاب الكبيرة بتوفير
خدمة تنصت لاسلكي دائمة.
ـ نظام الإنذار
الآلي بالبرق اللاسلكي: تبنت الدول المعنية في عام 1929 اتفاقية «سولاس» جديدة
استفادت من التطور التقني الذي تحقق في المدة بين الاتفاقيتين، وتبنت نظام إنذار
آلي للبرق اللاسلكي، وأعفت السفن المجهزة بهذا النظام من التنصت الدائم.
تزويد قوارب النجاة
بأجهزة لاسلكية: ُشرع منذ عام 1914 بتزويد قوارب النجاة بأجهزة لاسلكية ولم يكن
هذا من قبل ذلك إجبارياً، وعلى أثر غرق السفينة تريفيسَّا Trevessa عام 1923، والتجاء طاقم السفينة إلى قاربي نجاة
وبقائهم تائهين في البحر مدة 22 ـ 27 يوماً قبل وصولهم إلى جزيرة موريس، تركزت
القناعة بضرورة إيجاد قاعدة ملزمة بتزويد قوارب النجاة بأجهزة لاسلكية في سفن
الركاب الكبيرة.
تزويد سفن الشحن
بأجهزة البرق اللاسلكي والهاتف اللاسلكي: في أثناء مراجعة اتفاقية سولاس للمرة
الثالثة عام 1948؛ ألزمت كل من سفن الركاب وسفن الشحن من حمولة 1600 طن متري فما
فوق أن تزود بأجهزة برق لاسلكي، وروعيت المستجدات الحاصلة في مجال الاتصالات
اللاسلكية آنئذ ولاسيما استخدام الهاتف اللاسلكي.
أجهزة الإرشاد
اللاسلكية لتحديد مواقع الكوارث RLS: وهي
الأحرف الأولى من العبارة الفرنسية Radiobalise Pour la Localisation des Sinistres تقوم هذه الأجهزة بإرسال إشارة الاستغاثة آلياً
في حال غرق السفينة المفاجئ، ويمكن استعمالها على قوارب وأطواف للنجاة. وفي عام
1979 اتخذت المنظمة البحرية الدولية IMO قرارات
أوصت بموجبها أن يكون وجود هذه الأجهزة على السفن إجبارياً، وقد طبقت ذلك بعض
الدول.
الإنقاذ البحري
والسواتل الصنعية: في عام 1962 وضع أول ساتل صنعي عالمي للاتصالات «تلستار» Telstar على مداره وصار بالإمكان إرسال برقيات لاسلكية
موجهة إلى الساتل الصنعي، وهو يحولها إلى المكان المقصود على وجه الأرض، وصار
نقل الصوت والصورة آنياً من مكان إلى آخر على سطح الكرة الأرضية أمراً ممكناً
وبمواصفات عالية.
في عام 1966 بدأت
المنظمة البحرية الدولية بالتعاون مع الاتحاد الدولي للاتصالات اللاسلكية تعمل
على إقامة نظام اتصالات لاسلكية للملاحة البحرية بالاستعانة بالسواتل الصنعية،
وقد تحققت فوائد كثيرة بوساطة هذه الاتصالات. وفي عام 1976 عقدت اتفاقية دولية
تحت إشراف المنظمة البحرية الدولية، غايتها إحداث منظمة دولية للاتصالات
اللاسلكية البحرية عن طريق السواتل الصنعية سميت «إنمارسات» Inmarsat،
ودخلت حيز التنفيذ عام 1979.
ويستعمل نظام
إنمارسات سواتل صنعية فوق المحيط الأطلسي والمحيط الهندي والمحيط الهادئ، تغطي
من مواقعها الثلاثة الكرة الأرضية حتى خط العرض 75ْ شمالاً ومثله جنوباً، وبقيت
خارج مداها المناطق القطبية فقط حيث الملاحة قليلة الكثافة.
إن المزية الأساسية
لهذا النظام في نظر المنظمة البحرية هو تحسين الاتصالات بقصد السلامة البحرية،
وتعد المنظمة البحرية الدولية نظاماً جديداً كلياً للاستغاثة والسلامة، يعتمد في
معظمه على نظام إنمارسات، ويرمز للنظام الجديد المستقبلي باسم FSMDSM وهي الحروف الأولى من عبارة Futur systéme mondial de
détresse et de sécurité en mer، وهذا النظام بدأ عمله
في التسعينات. ومن جهة أخرى فقد طلبت المنظمة البحرية الدولية إدخال أجهزة
الإشارة اللاسلكية لتحديد مواقع الكوارث في نظام إنمارسات، وكانت تجربة رائدة
عندما تمّ ربط أجهزة الإشارة اللاسلكية لتحديد مواقع الكوارث (الذي يرمز له بـ RLS) بالسواتل الصنعية العاملة على المدارات
القطبية، وقد يوفر ذلك تغطية عالمية فيصبح بالإمكان تحديد موقع جهاز الإشارة
اللاسلكية الذي يبث في مكان ما بدقة كبيرة. وقد حدثت بالفعل عمليات إنقاذ
بالتقاط إشارات الاستغاثة من هذا النظام الجديد الذي رمز إليه بالحروف COSPAS-SARSAT وتشارك فيه كل من: كندا وفرنسة وروسية الاتحادية
والولايات المتحدة والنروج والمملكة المتحدة.
ولن يكون لإشارات
مورس في المستقبل أي مكان أمام استخدام الهاتف اللاسلكي والنداء الاصطفائي
الرقمي والطباعة اللاسلكية.
|
ليست هناك تعليقات